تخيّلي أن الرحم، هذا العضو الصغير في جسم المرأة، يمكن أن يتخذ أشكالًا مختلفة تؤثر بشكل كبير على قدرتها على الحمل والإنجاب. بعض النساء لا يكتشفن أن لديهن رحمًا غير طبيعي إلا بعد تأخر الحمل أو حدوث إجهاض متكرر! هل تساءلتِ يومًا عن أنواع الرحم وتأثيرها على صحتكِ الإنجابية؟ هذا المقال سيأخذكِ في رحلة لفهم التشوهات الرحمية وأهم الحقائق حولها.

ما هو الرحم ولماذا يُعدّ مهمًا؟
الرحم (uterus) هو عضو مجوّف يوجد في منطقة الحوض لدى المرأة، ويُعَدّ ركيزة أساسية في الجهاز التناسلي الأنثوي. رغم أنه صغير في حجمه النسبي داخل جسم المرأة، فإن دوره هائل في الحمل والولادة.
تكمن أهميته في استضافته للجنين طوال فترة الحمل، بالإضافة إلى رعاية نموّه وتطوره حتى لحظة الولادة. ويكون الرحم مرتبطًا بشكل مباشر بعنق الرحم الذي يتصل بالمهبل (واژن)، بينما يُسمّى الجزء العلوي من الرحم “قاع الرحم”، والجزء السفلي “عنق الرحم” الذي يسمح بمرور دم الحيض (النزيف الشهري) وخروج الجنين عند الولادة.
تصنيف أنواع الرحم: لماذا توجد اختلافات في أشكاله؟
من الطبيعي أن تختلف شكل الرحم لدى السيدات وفقًا لعدة عوامل، منها الوراثة والتشوهات الخلقية (العيوب الخلقية) التي يمكن أن تحدث خلال مرحلة تكوّن الجنين. هذا ما يجعل تصنيف الرحم مسألة مهمة عند الحديث عن الصحة الإنجابية؛ إذ قد تؤثر بعض الأشكال أو التشوهات على الخصوبة، أو تزيد احتمالية حدوث مضاعفات مثل الإجهاض (سقط جنین) أو الولادة المبكرة (زایمان زودرس). في بعض الأحيان، تكون هذه الاختلافات طفيفة ولا تؤثر بشكل كبير في الحمل، وفي أحيان أخرى قد تكون أكثر وضوحًا وتستدعي التقييم الدقيق والمتابعة الطبية.
أنواع الرحم الأساسية
الرحم الطبيعي
يُعرف أيضًا بالرحم “السليم”، وهو الشكل الشائع لدى معظم النساء. يكون الرحم فيه متناسقًا، والتجويف الداخلي منتظمًا من دون حواجز أو انقسامات. غالبًا ما يسمح الرحم الطبيعي بالإنجاب دون صعوبات كبيرة، ما لم تحدث مشكلات أخرى مثل الأورام الليفية الرحمية أو التهابات داخلية قد تؤثر في الحمل أو تسبب نزيفًا غير طبيعي.
الرحم المزدوج (Uterus didelphys)
يُطلق عليه أحيانًا “الرحم المزدوج” وهو من التشوهات الخلقية النادرة نسبيًا. في هذه الحالة، ينقسم الرحم إلى تجويفين منفصلين تمامًا، مع وجود عنقَي رحم مستقلين، وأحيانًا قد يصاحبه مهبل مزدوج أيضًا. على الرغم من أن هذا النوع يُعدّ من أشكال الرحم المشوه، فقد يحدث الحمل بشكل طبيعي عند بعض النساء، لكن الخطر يزيد من ناحية الولادة المبكرة أو الإجهاض، لذا تجب متابعة الحالة مع طبيب مختص.
الرحم المقوس (Arcuate uterus)
الرحم المقوس هو أحد أشكال الرحم المشوه الخفيفة، حيث يظهر تجويف الرحم بشكلٍ مقوس عند قمته (قوسی). هذا الانحراف البسيط غالبًا لا يسبب تأثيرًا ملحوظًا على الخصوبة، وقد تتمتع المرأة بحمل طبيعي وفترات شهرية منتظمة. ومع ذلك، تُنصح السيدات بالتقييم الطبي المستمر للاطمئنان على سلامة الجنين وتجنب أي مضاعفات مفاجئة.
الرحم أحادي القرن (Unicornuate uterus)
يظهر الرحم أحادي القرن بشكل غير مكتمل، حيث يتكوّن نصفه فقط، بينما يكون النصف الآخر غير موجود أو في هيئة أثرية صغيرة جدًا. يُعدّ هذا التشوه أكثر ندرة وقد يرتبط بعدة مشكلات تتعلق بالحمل، مثل الولادة المبكرة أو صعوبات في ثبات الجنين داخل الرحم. لذا، يتطلب هذا النوع التقييم المستمر مع طبيب نساء مختص، خصوصًا لو ترافق مع أعراض كالنزيف أو الألم (درد).
الرحم المقسم أو الحاجز الرحمي (Septate uterus)
يشير البعض إليه باسم الرحم الحاجزي أو الرحم المقسم، وفيه يظهر حاجز رحمي (الحاجز الرحمي) يفصل التجويف الداخلي للرحم بشكل كلي أو جزئي (الحاجز الجزئي). يُعَدّ هذا النوع من أهم أنواع الرحم الحاجزي وأكثرها شيوعًا بين السيدات اللواتي يعانين تكرار الإجهاض. أحيانًا يكتشف الأطباء هذه الحالة بالمصادفة خلال فحص روتيني للسيدة أو عند البحث عن سبب تكرار فقدان الحمل.
الرحم ذو القرنين (Bicornuate uterus)
يُعرف بين الناس باسم “الرحم ذو القرنين” أو “الرحم القرنين”، وفيه ينقسم الجزء العلوي من الرحم إلى تجويفين منفصلين بشكل واضح، بينما يبقى الجزء السفلي (عنق الرحم) واحدًا. قد يؤدي هذا التكوين إلى بعض المشكلات في ثبات الحمل، أو زيادة فرص حدوث ولادة مبكرة، لكنه لا يمنع الحمل تمامًا في معظم الحالات.
لماذا تحدث التشوهات الرحمية؟
يعود سبب التشوهات (تشوهات الرحم) إلى اضطرابات أثناء مرحلة التكوين الجنيني في الرحم الأم (بارداری). يحدث في بعض الأحيان خلل في اندماج القناتين المسؤولتين عن تكوين الرحم والمبيضين وجميع أجزاء الجهاز التناسلي للمرأة (زنان). قد تؤدي هذه الاضطرابات إلى تكوّن أشكال رحم مختلفة، مثل الرحم المقلوب (وهو ميل الرحم للخلف أو الأمام) أو الرحم المقوس أو حتى الرحم المزدوج. البعض منها قد لا يصاحبه أي أعراض ظاهرة، والبعض الآخر قد يرتبط بآلام أو نزيف، بل وحتى تأخر الإنجاب.
المشكلات الصحية المرتبطة بأنواع الرحم
- الإجهاض المتكرر: في بعض الحالات، مثل الحاجز الرحمي أو الرحم المقسم، يواجه الجنين صعوبة في الانغراس بشكل ثابت على بطانة الرحم (البطاني). قد يحدث هذا الانغراس في منطقة الحاجز، مما يؤدي إلى ضعف التروية الدموية للجنين واحتمال حدوث سقط.
- الولادة المبكرة: قد يؤدي الرحم ذو القرنين أو الرحم المزدوج إلى عدم توفير المساحة الكافية للجنين كي ينمو بشكل طبيعي، فيحدث زودرس للولادة (زایمان زودرس).
- النزيف الشهري الشديد: بعض التشوهات، أو وجود الأورام الليفية (الورم الليفي)، قد تسبب نزيفًا شديدًا خلال فترة الدورة الشهرية (فترات الطمث)، مما يُضعف المرأة ويسبب الأنيميا.
- الآلام والحمل خارج الرحم: أحيانًا يصعب مرور البويضة الملقحة عبر قنوات فالوب (الإحليل الأنثوي) لتنغرس في الرحم بشكل صحي، مما يزيد من احتمالية حدوث حمل خارج الرحم أو نزيف داخلي.
سرطان الرحم نوعان: تعرّفي عليهما
رغم أن الحديث هنا يتركّز على أشكال الرحم، إلا أن التطرّق إلى السرطان (cancer) يبقى أمرًا ضروريًا لزيادة الوعي. سرطان الرحم نوعان رئيسيان:
- سرطان بطانة الرحم (Endometrial Cancer): يتطور في الأنسجة الداخلية للرحم (endometrial) وهو الأكثر شيوعًا بين سرطانات الجهاز التناسلي الأنثوي، ويُسمّى أيضًا سرطان الرحم (uterine cancer). من أعراضه النزيف غير الطبيعي بين فترات الطمث، أو بعد سن اليأس. قد يترافق مع آلام في الحوض أو صعوبات في التبول.
- سرطان عنق الرحم: ينشأ في الخلايا السفلية من الرحم (عنق الرحم)، غالبًا بسبب فيروس الورم الحليمي البشري (HPV). قد لا تظهر أي أعراض واضحة في المراحل المبكرة، لذا يعدّ الفحص المبكر والمنتظم (مثل مسحة عنق الرحم) عاملًا حاسمًا في الكشف المبكر وإنقاذ حياة العديد من السيدات.
هل يمكن الحمل بسلام مع أشكال الرحم المختلفة؟
بعض أنواع الرحم المشوه مثل الرحم المقوس لا تمنع الحمل إطلاقًا، بل قد يمر الحمل بسلام مع متابعة دقيقة. أما في الحالات الشديدة مثل الرحم المزدوج أو الرحم أحادي القرن، فقد يتطلب الأمر رعاية خاصة واستشارات طبية مستمرة لتقييم وضع الجنين أولًا بأول. من هنا تنبع أهمية متابعة الحمل مع طبيب مختص في النساء والولادة، إضافة إلى إجراء فحوص دورية بالموجات فوق الصوتية.
دور جراحات التصحيح وأهميتها
في بعض الحالات، قد يوصي الطبيب بإجراء تدخل جراحي (جراحات تداخلية) إذا كان التشوه الرحم يعيق الإنجاب أو يسبب مضاعفات مستمرة. على سبيل المثال، يمكن تصحيح الحاجز الرحمي (عمليات إزالة الحاجز أو الحاجزي) بالمنظار الرحمي (hysteroscopic surgery) لتحسين فرصة ثبات الحمل ومنع تكرار الإجهاض.
من ناحية أخرى، قد تُجرى عملية استئصال الرحم بالكامل في حالات معينة من السرطان، مثل استئصال الرحم الجراحي في حال كان الورم السرطاني كبيرًا أو منتشرًا. ومع ذلك، فقرار الاستئصال الكلي للرحم لا يُتّخذ إلا بعد تقييم شامل لحالة المرأة، والنظر في رغبتها بالإنجاب مستقبلًا.
الأورام الليفية وعلاقتها بشكل الرحم
تُعدّ الأورام الليفية (Fibroids) من أكثر الأورام الحميدة (الأورام) شيوعًا لدى السيدات. قد تنمو خارج الرحم أو داخله، وتتنوع في أحجامها من صغير جدًا إلى كبير ومزعج. يؤدي وجودها أحيانًا إلى تشوه داخلي في شكل الرحم، أو قد تزيد من سماكة البطانة وتسبب النزيف الشديد خلال الدورة الشهرية.
وفي بعض الأحيان، تُعالَج الأورام الليفية بطرق تداخلية مثل الأشعة التداخلية التي يقدمها أطباء متخصصون كالدكتور سمير عبد الغفار استشاري الأشعة التداخلية، حيث يُجرى انسداد للشريان المغذي للورم الليفي فيتقلص حجم الورم ويخفف الأعراض بشكل كبير دون الحاجة لجراحة كبيرة.
أهمية المتابعة والفحوص الدورية
- فحص الموجات فوق الصوتية (السونار): يُستخدم لتقييم شكل الرحم، مثل الرحم المقسوم أو الرحم المزدوج، واكتشاف أي مشكلات في التجويف أو الأورام الليفية أو السلائل (البوليبات).
- مسحة عنق الرحم (Pap Smear): تساعد في الكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم الناتج عن عدوى فيروس HPV، مما يزيد فرص العلاج الفعال.
- المنظار الرحمي: يُستخدم في تقييم المشاكل داخل تجويف الرحم (مثل الحاجز الرحمي أو الرحم المقسم)، ويمكن من خلاله إجراء جراحات تصحيحية بسيطة.
نصائح للعناية بصحة الرحم
- الحفاظ على وزن صحي: السمنة قد تؤثر في توازن الهرمونات وتزيد احتمالية الإصابة بأمراض عدة مثل الانتباذ البطني الرحمي (Endometriosis) أو تكيّسات المبيضين (الكيسية).
- تنظيم الدورة الشهرية: فترات الطمث المنتظمة عادة ما تكون مؤشرًا على صحة هرمونية جيدة. أما الدورة غير المنتظمة أو النزيف الشديد فيجب عدم إهمالهما.
- إجراء فحوص دورية: الاهتمام الدوري بزيارة طبيب النساء للاطمئنان على سلامة الرحم واكتشاف أي آفات مبكرة قد تتطور إلى أورام.
- تجنب الالتهابات (عدوى): الحرص على النظافة الشخصية واستخدام الوسائل الواقية عند اللزوم، للوقاية من التهابات الجهاز التناسلي.
- التوعية بسرطان الرحم نوعان: معرفة الفارق بين سرطان بطانة الرحم وسرطان عنق الرحم، وكيفية الوقاية من كل منهما، يسهم في رفع الوعي الصحي لدى السيدات.
في النهاية، يبقى الرحم رمزًا للقدرة على الإنجاب واحتضان الحياة، لكن من الضروري فهم حالته (الرحم المقسم، الرحم المقلوب، الرحم المقوس، وغيرها) والتعامل معه برعاية ووعي. صحتكِ مسؤوليتكِ، ومتابعتكِ المبكرة تضمن لكِ تفادي الكثير من المضاعفات، والحفاظ على قدرة الإنجاب بشروط آمنة بإذن الله.